اطرح سؤالك

05 ذیقعده 1433 الساعة 20:29

قد حصل لي منذ مدة من الزمن عدة تناقضات في جملة من مسائل اصول الدين، وكلما قمت بتحليلها واستنتاج شيء منها ادى ذلك الى انتقاض جزء من العقائد المسلمة التي ترتبط بهذه المسائل، وحيث انه لايمكن لاي احد ان يدعي الكمال، لذا فانني اعتقد انه قد حصل خلل في بعض استنتاجاتي او في بعض ما ذكرته من فرضيات وتعريفات، ومن هنا فقد عزمت على ان استفيد من تعليمات جملة من المراجع العظام واتعرف على هذه الشبهات المحتملة، ولا اقل من ترك الاصرار على هذه العقائد المتناقضة. احد هذه المسائل هي مسالة( ظهور المنقذ في اخر الزمان). وهنا انبه على ملاحظتين مهمتين: الملاحظة الاولى: اني تعمدت استعمال هذه اللفظة العامة (المنقذ) و حاولت ان ابين المسالة من دون ملاحظة شخص معين لهذا المنصب. الملاحظة الثانية: ان جميع المطالب المذكورة هي عبارة عن نظريات وتحليلات شخصية، وفيما اذا وجد خلل في أي واحد منها فهو يرجع الى النقص في طريقة تفكيري ولا ينبغي ان ينسب ذلك الى جماعة او شخص معين او فرقة ما. وسابين فهمي تجاه هذا الاصطلاح (المنقذ) ثم ساذكر التناقضات التي يشتمل عليها التعريف، بغية ان تعلمونا برأيكم في هذه المسالة الحساسة. تعريف (ظهور المنقذ في اخر الزمان): هو حاكمية شخص صالح ومؤهل من قبل الله تعالى في زمان قريب من يوم القيامة لاجل اصلاح المجتمع الانساني بجميع ابعاده. العدل: بناء على التعريف المتقدم، لو فرضنا ان الاجيال التي ستوجد في تلك الحكومة وتعيش في ظلها، ستكون تلك الاجيال بسبب تهيئة الارضية المناسبة من جملة الاجيال الصالحة، أي انها بالقياس الى الاجيال التي قبلها تتمتع في حصولها على الخير بكفاءات اكثر، وهي ستعيش في عالم يمتاز بكثرة الخيرات ووفرتها، ومن هنا فهذه الاجيال تمتاز عن غيرها من الاجيال بخصوصيات اكثر. الا يتنافى هذا الكلام مع مبدأ العدالة الذي لا بد ان تكون فيه ظروف الامتحان واحدة؟ ولاجل اتضاح المطلب اكثر، قارونوا بين المشقات التي يتحملها الفرد الذي يعيش في عصرنا كي يبقى محافظا على دينه وعقيدته ولا ينحرف مع شخص في زمان المنقذ، فان وجه هذا الامر بان الشخص الاول سينال اجر وثواب اكثر من الشخص الثاني اذن فما هي مزية زمان المنقذ؟ وبغض النظر عن ذلك فان الشخص الثاني في هذه الحالة له حق الاعتراض ايضا. الجبر: هل يمكن ان نجد من بين الناس الذين يعيشون في زمان المنقذ اشخاصاً غير صالحين او انه يلزم في الحكومة المثالية صلاح جميع حكامها ومجتمعها؟ فان اجيب عن هذا السؤال بنعم فهذا يعني انه بعد مدة قصيرة ستصبح المعادلة في هذا المجتمع بنفع غير الصالحين وسيكون الصلحاء هم الاقلية، والسبب في هذا الامر هو ان الانسان يميل بطبيعته الى التعدي على حقوق الاخرين الذي هو مادة واصل كل فساد، وحيئنذ وان كان الذين يحكمون هذا المجمتع من اصلح الناس الا انه سيخرج زمام الامور من الطبقة الصالحة، والتاريخ افضل شاهد على هذا الامر. فانه لا يوجد حكومة صالحة الى الان استطاعت ان تستمر وتقاوم عشرات السنين وان كان حكامها اشخاصا امثال النبي (صلى الله عليه واله) وعلي(عليه السلام). و من المسلم ان تعريف حكومة المنقذ لا يشمل هذا المفهوم والمقصود منها الحكومة الثابتة والمستمرة الى يوم القيامة اذن فلا طريق لنا الا الاذعان بانتفاء الجواب المذكور فان هذه النتيجة هي اكثر تناقضاً. لان من لا يتمكن من ان يكون غير صالح فهو صالح قهراً. ومن ليس لديه الاختيار في صلاحه وعدم صلاحه فكيف يكون لائقاً لتنظيم حكومة او قيادة؟ وهذه الحالة هي شبيهة بقيادة مجتمع متكون من ملائكة او حيوانات غير مختارة وحيئذ سوف لا يكون لها أي امتياز. الحاجة الى المنقذ: قد اوضحناه قبل قليل حيث قلنا ان الصالحين لا بالاختيار لا تعد هذه الخصلة ميزة لهم في حكومة المنقذ، أي انه لا يمكن للمنقذ ولا ينبغي له ان يجبر الناس بالقوة الالهية على ان يكونوا صالحين. ومع هذا يمكن ان نتصور حالة اخرى وهي: ان يكون المجتمع مختارا وفي نفس الوقت صالحاً، وهذه الحالة يمكن ان نفترضها بهذا النحو: انه بسبب مر التاريخ وتكامل العقل البشري سيتمكن الناس من تكميل دينهم واخلاقهم وعلمهم وجميع صفاتهم الانسانية ويصبحون اناساً كاملين. فهذه الحالة وان كانت تستغرق وقتاً طويلاً الا انها محتملة ايضاً. وينبغي ان يعلم ان امتداد هذا الامر لا يتنافى مع التعريفات، اذن فيأتي ذلك اليوم الذي تكون فيه الاغلبية الساحقة هم من اصلح نفسه، ومن جانب اخر حيث ان هذا المجتمع قد وصل الى بلوغه ونضجه المناسب له، واختار هذا البلوغ والنضوج عن فهم وادراك فسوف لا يؤمن بالفساد، فان شقاء الاقلية غير الصالحة خاضع دائماً لسيطرتهم وسيعارضوهم ولهذا سيقفون امام قوة تلك الاقلية وانتشار افكارهم وعقائدهم. فهذه الحالة هي التصور الاكثر منطقية للحكومة الصالحة على الارض. الا ان المسألة التي تطرح هي: انه في هذه الحالة ما الحاجة الى المنقذ وسلطته الالهية؟ فالمجتمع الذي يتمكن ان ينجي نفسه بفهمه للحقائق، ومع وجود المجتمع الذي يعد بجميع افراده منقذاً فما الحاجة الى حصر هذه الفضيلة بشخص واحد؟ فالمجتمع الذي يكون عدد المنقذين فيه بعدد افراد ذلك المجتمع فما هي حاجته الى شخص جاء ليدعي انه المنقذ الوحيد في اخر الزمان؟ فهل من حق المجتمع ان يكون لديه منقذاً صالحاً، او ان من حق المنقذ ان يكون لديه مجتمعاً صالحاً؟ واساساً ما هي حاجة المجتمع الصالح المدرك الى الحاكم والقانون والشرع... اليس هذه الامور جاءت لتنظم المجتمع غير الصالح واليس الصالحون عند تشخيصهم لصلاحهم وصلاح الاخرين والمجتمع لا يكونون مستعدين لفعل غير ذلك، اذن فما الحاجة الى القانون؟ مثلاً ما هي الحاجة الى وضع علامة (ممنوع التوقف) لمن يدرك جيداً ان الوقوف امام ممر الناس غير صحيح. وما هي الحاجة الى السجن والقصاص والاعدام لمن يكظم غيضه ولا يقتل؟ فمن الواضح ان جميع هذه الذرائع نشأت من وجود المجتمع غير الصالح، اذن ايضا سارجع الى سؤالي الذي بقي من دون جواب ( ما هي الحاجة الى ظهور المنقذ)؟ ومن هنا فاطلب ان تحلوا لي الاشكالات الواردة على التحقيق المتقدم ـ التي هي غامضة بالنسبة لي ـ او اذا لم تجيبوا عنها فلا باس بالموافقة على صحتها.

الجواب :



1ـ المنقذ: معناه المنجي للناس وهذه الكلمة كناية عن انه بظهور الامام صاحب الزمان ستنجو العالم من الظلم والشرك ومن كل ظلام وضلال وسيهتدي العالم نحو النور والكمال، وتعريفكم يؤدي هذا المعنى ببيان اخر فهو صحيح.

2ـ المعنى المعروف للعدل هو عبارة عن (رعاية الحقوق واعطاء كل ذي حق حقه) أي ارجاع الحق الى صاحبه ووضع كل شيء في مكانه، وان يعطى الشيء لمن لديه الاهلية والاستحقاق لذلك.

3ـ ان الارضية للكمال موجودة في المجتمع الذي يعيش في عصر الظهور وارضية المعصية قليلة، ولكن هذا لا يعيني التبغيض في المجتمع البشري، وذلك لان المجتمعات التي جاءت قبل الامام صاحب الزمان(عليه السلام) لم تكن لديه الارضية المساعدة لحكومة الصالحين، ولكن المجتمع الذي يعيش في عصر الظهور ستتهيأ له الضروف المناسبة مع ظهور الامام، ولكن الفرق هو في الاجر والثواب.

وكما اشرتم هناك جملة من الروايات اشارت الى هذه المسالة وهي ان اجر من يبتعد عن المعاصي ويعمل الصالحات في عصر الغيبة يختلف عن اجر من يعمل الخير في عصر الظهور وفي الارضية المناسبة لاعمال الخير.

ومضمون هذه الروايات هي عبارة عن ان اجر من كان في زمن الغيبة اكثير بكثير ممن كان في زمن الظهور، وهذا هو معنى العدل ايضا في هذه المسالة، أي انه يعطى كل انسان بمقدار اهليته واستحقاقه، فمن اخرج نفسه من الضلال الى الهداية في زمن الغيبة ومن دون تعليمات الامام المعصوم ومن دون حضورهم يختلف كثيراً عمن يفعل ذلك مع تعليمات الامام المعصوم.

واما مع اختلاف الاجر هذا واكثرية اجر من يعيش في زمن الغيبة اذن فما هي ميزة المجتمع في عصر الظهور؟ ميزته هي: انه في عصر الظهور ستنحل اكثر مشاكل المجتمع وتظهر الحكومة الصالحة وتتسنى الارضية المناسبة نحو الكمال اكثر، وينجو الناس من الظلم والضيم والاضطهاد ويسود المجتمع الامن والاستقرار، ويذهب الخوف والحزن من الناس وهذه هي اعظم مزية للمجتمع في عصر الظهور.

4ـ انه يوجد في عصر الظهور اشخاصاً ضالين ايضاً، وليس جميع الناس طيبين وصالحين وان كان اغلب الناس صالحين والسير العام للحياة التي يرأسها الامام صاحب الزمان نحو الكمال والتقدم وطاعة الله تعالى، والارضية المناسبة للذنب والمعصية نحو الزوال نوعما، وان كان قد يوجد في اوساط ذلك المجتمع اناساً مجرمين واهل معصية، الا انه حيث ان الطابع العام هو الصلاح والطهارة والامن وسيطرة حكومة الامام (عليه السلام) على الاوضاع ايضاً، فلا يمكن لؤلائك المجرمين ان يظهروا المعصية ولا يمكنهم ان يعملوا عملاً يؤثر على الامن العام وهكذا لا يستطيعون ان يغووا الناس نحو الذنب والظلم.

والدليل على وجود ثلة قليلة من الناس مجرمين هو انه هناك جماعة يترصدون الفرصة، حتى انهم يقتلون الامام بعد مضي عشرات السنين على قيام الدولة والحكومة الاسلامية، الا انهم لا يتمكنون من تغيير طريقة الحكومة الاسلامية وانما عندما يستشهد الامام صاحب الزمان ستنتقل الحكومة الى امام اخر يحكم ذلك المجتمع وهكذا يحي الله جميع الائمة المعصومين وكل واحد منهم يحكم ويجري العدالة في ذلك المجتمع ويقف امام الفساد والاستبداد والضلال، وبالتالي ستبقى هذه الحكومة الالهية الى يوم القيامة. (لاحظ: بحار الانوار: ج26، ص335.)

نامل ان يكون قد ارتفعت اشكالاتكم بهذا التوضيح المختصر، ولاجل التفصيل راجع: الكتب(المهدي والموعود) (وعد الامن والامان) (حاكم العالم) ولاحظوا بقية الكتب التي ترتبط بقضية الامام صاحب الزمان(عج الله تعالى فرجه الشريف) وحكومته.

الكلمات الرئيسية :


۲,۳۶۴